فبالتسامح يصبح سمحاً، وبالتورع يصبح ورعاً .. وهكذا في باقي الأخلاق اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
والأخلاق الإسلامية تؤخذ بالتأسي والاقتداء بأهل الأخلاق الفاضلة، وهكذا تتوارث الأجيال الأخلاق العالية بالنظر إلى أخلاق القرون الأولى، ويتوارث الأفراد مكارم الأخلاق بالاقتداء والتأسي بأحاسنهم أخلاقاً.
ولذلك فإن الله لم ينزل كتبه إلا وأرسل معها العامل بها، القائم عليها من رسله، المتمثل لأوامرها، والمتخلق بأخلاقها، ليقتدي به الناس، ويتأسون به، خاصة أحسن الناس خَلْقاً وخُلُقاً، سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان خلقه القرآن، وأثنى عليه ربه بكمال خلقه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤].
وشرع لنا الاقتداء به، والتأسي به في جميع الأحوال كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)} [الأحزاب: ٢١].
والأخلاق الإسلامية لا تطلب من الناس بكمها الكبير، وكليتها الشاملة من أول يوم يلج فيه الإنسان باب الهداية، بل لا بدَّ من التدرج بتقديم الأهم والأوجب في الأوامر، واجتناب الأفحش الأخطر في باب المناهي.
فيطالب ابتداء بالصدقة بما تجود به نفسه، ولا يطالب بالتنازل عن كل ماله كما فعل أبو بكر - رضي الله عنه -.
وكذلك لا ننتظر منه أكثر من العفو عمن أساء إليه، أما أن يحسن إلى المسيء فتلك مرتبة أعلى، ومقام أرفع، يمكن أن يرتقي إليها بالتربية تدريجياً.
والقفز إلى معالي الأخلاق من العزيمة التي يوفق إليها أهل الهمم الكبيرة،
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (١٤٦٩)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٠٥٣).