فمن أراد تحصيل خلق الجود، فليفعل فعل الجواد من البذل، ليصير بذلك طبعاً له، كما أن من أراد أن يكون كاتباً تعاطى فعل الكتابة، إلا أن ذلك يحتاج إلى تكرار ومداومة، كما أن نمو القامة والبدن يحتاج إلى وقت.
وكما أن تعاطي أسباب الفضائل يؤثر في النفس ويغير طباعها، فكذلك مساكنة الكسل والكسالى يصير عادة، فيحرم بسببه كل خير.
وكما لا ينبغي أن يستهان بقليل الطاعات، فإن دوامها يؤثر خيراً، فكذلك لا يستهان بقليل الذنوب، فإن دوامها يؤثر شراً.
وكذلك تكتسب الأخلاق الحسنة بمصاحبة أهل الإيمان والخير، وإنما المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
والاعتدال في الأخلاق هو صحة النفس، والميل عن الاعتدال سقم لها ومرض، والنفس في علاجها كالبدن في علاجه، فكما أن البدن لا يخلق كاملاً وإنما يكمل بالتربية بالغذاء، كذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتزكية، وتهذيب الأخلاق بالعلم.
وكما أن البدن إذا كان صحيحاً فشأن الطبيب العمل على حفظ الصحة، وإن كان مريضاً فشأنه جلب الصحة إليه.
كذلك النفس إذا كانت زكية طاهرة مهذبة الأخلاق فينبغي للعبد أن يسعى لحفظها، وجلب مزيد القوة إليها.
وإن كانت عديمة الكمال سعى في جلب الكمال إليها.
وكما أن أمراض البدن تعالج بضدها، إن كانت من حرارة فبالبرودة، وإن كانت من برودة فبالحرارة، فكذلك الأخلاق السيئة التي هي من مرض القلب علاجها بضدها من الأخلاق الحسنة.