والذين يمكرون السيئات طلباً للعزة الكاذبة، والغلبة الموهومة، وقد يبدو في الظاهر أنهم أعلياء، وأنهم أعزاء، وأنهم أقوياء، ولكن القول الطيب هو الذي يصعد إلى الله، والعمل الصالح هو الذي يرفعه إلى الله، وبهما تكون العزة حقاً.
فأما المكر السيئ قولاً وعملاً فليس سبيلاً إلى العزة، ولو حقق القوة الطاغية الباغية في بعض الأحيان، إلا أن نهايته إلى البوار، وإلى العذاب الشديد، وعد الله لا يخلف الله وعده، وإن أمهل الكافرين بالسوء، حتى يحين الأجل المحتوم في تدبير الله المرسوم: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠)} [فاطر: ١٠].
والعزة كلها في عبادة الله وحده لا شريك له؛ لأنها تذكرني دائماً بأنني متساو أمام الله مع أكبر خلقه في الدنيا وأعلاهم شأناً.
وأنني أنا وهو نصلي معاً، ونصوم معاً، ونحج معاً، ونذكر الله معاً، ونتلو القرآن معاً، ونؤدي الطاعات كلها لله معاً، سواء بسواء.
هذا من جانب.
ومن جانب آخر فأنا عبد الله الذي لا يتركني أبداً، إذا أردت أن أقف بين يديه تطهرت واتجهت إلى القبلة، وقلت: الله أكبر، فأعظمه وأحمده، وأسأله وأستغفره، ثم أقدم التحية له وأنصرف.
وعظماء الدنيا إذا أردت من أحدهم شيئاً فدون ذلك عقبات وعقبات، فإذا تجاوزت تلك العقبات، وتمت المقابلة، وأردت أن تشرح ما جئت لأجله فقد لا يستمع إليك، ويقوم واقفاً لينهي المقابلة والمناقشة.
انظر إلى هذا كله ترى حجم الذلة والإهانات التي تمر بها في مقابلة واحدة، لمخلوق واحد.
ثم انظر إلى عبوديتك لله سبحانه، وأنت الذي تحدد الزمان والمكان، فالله موجود دائماً لتدعوه بما تريد، في أي وقت تريد، والله يستمع إليك، ويجيب