ومن رحمته بعباده أن نغص عليهم الدنيا وكدرها عليهم لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها ويرغبوا عن النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إليها بسياط الابتلاء والامتحان.
ومن رحمته بهم أن حذرهم نفسه لئلا يغتروا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به.
والمجاهد والمهاجر في سبيل الله والداعي إلى الله كلهم يرجون رحمة الله كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)} [البقرة: ٢١٨].
والله تبارك وتعالى أرحم الراحمين، خلق مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، وجعل منها في الأرض واحدة، فيها يتراحم الخلق كلهم، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَأنْزَلَ فِي الأرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أنْ تُصِيبَهُ» متفق عليه (١).
والراحمون يرحمهم الرحمن، ومن رحم أهل الأرض رحمه الذي في السماء،
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٠٠٠)، ومسلم برقم (٢٧٥٢) واللفظ له.