للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الروح، متمرداً عاصياً، لا يسبح الله، ولا يمجد خالقه، ولا يتجه إلى مولاه، فإنه يكون شاذاً بارز الشذوذ، كما يكون في موقف المنبوذ من كل ما في الوجود.

والإنسان وحده هو الذي يقف في خضم الوجود المؤمن المسبح بحمد ربه مؤمناً تارة .. وكافراً تارة، كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢)} ... [التغابن: ٢].

فإيمان العباد وكفرهم كله بقضاء الله وقدره، وهو سبحانه الذي جعل لهم القدرة والإرادة على اختيار ما يريدون.

فعن إرادة الله ومشيئته صدر هذا الإنسان، وأودع إمكان الاتجاه على الكفر، وإمكان الاتجاه إلى الإيمان، وتميز بهذا الاستعداد المزدوج من بين خلق الله، وأنيطت به أمانة الإيمان بحكم هذا الاستعداد.

وهي أمانة ضخمة، وتبعة هائلة.

ولكن الله كرم هذا المخلوق فأودعه القدرة على التمييز، والقدرة على الاختيار، وأمده بعد ذلك بالميزان الذي يزن به عمله، ويقيس به اتجاهه، وهو الدين الذي نزله على رسله، فأعانه بهذا كله على حمل هذه الأمانة، ولم يظلمه شيئاً، والله رقيب على هذا الإنسان فيما يعمل، بصير بحقيقة نيته واتجاهه، فيجازيه بما عمل من خير أو شر.

فسبحان الذي لا يخرج مخلوق عن ملكه .. وله الحمد كله .. حمد على ماله من صفات الكمال .. وحمد على ما خلقه من الأشياء .. وحمد على ما شرعه من الأحكام .. وحمد على ما أسداه من النعم، وحمد على ما صرفه من النقم.

والله تبارك وتعالى هو الحق الذي يحب الحق ويدعو إليه، ويكره الباطل ويحذر منه، وما ترك أحد الحق إلا جرته الشياطين إلى الباطل.

فاليهود لما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم جرتهم الشياطين إلى الكفر والكذب كما قال سبحانه عنهم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>