وهو سبحانه التواب، الذي لم يزل يتوب على التائبين، ويغفر ذنوب المنيبين، وسمى الله نفسه تواباً، لأنه خالق التوبة في قلوب عباده، الذي يسر لهم أسبابها، والراجع بهم من الطريق الذي يكره إلى الطريق الذي يرضى.
ولما كانت المعاصي متكررة من العباد، جاء بصيغة المبالغة (توّاب) ليقابل الخطايا الكثيرة، والذنوب العظيمة، بالتوبة الواسعة الدائمة.
ووصف تبارك وتعالى نفسه بالتواب مبالغة، لكثرة من يتوب عليه من العباد في مشارق الأرض ومغاربها، ولتكرره ذلك في الشخص الواحد، وتنوع الذنوب واختلافها: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠)} [النور: ١٠].
وهو سبحانه التواب، الذي تفرد بقبول توبة التائبين من عباده، لا يشركه في ذلك أحد من خلقه، ولا يغفر الذنوب والخطايا إلا هو، وليس لأحد غير الله قدرة على خلق التوبة في قلب أحد من الناس.
وليس لأحد كذلك أن يقبل توبة من أسرف على نفسه، ولا أن يعفو عنه ذنوبه وآثامه، سوى الرب التواب وحده.
وقد كفر إليهود والنصارى بهذا الأصل العظيم في الدين، فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وجعلوا لمن أذنب من العباد أن يأتي الحبر أو الراهب فيعترف أمامه بالذنب، ويعطيه شيءاً من المال فيحط عنه ذنوبه.
وهذا من ضلالاتهم الكثيرة التي أضلوا بها الناس، وأكلوا بها أموال الناس بالباطل دهوراً طويلة كما قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: ٣٤].
فما أعظم افتراء هؤلاء على ربهم، وما أشد ضلالهم عن الصراط المستقيم.