للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى غروب الشمس كما تحن الطيور إلى أوكارها عند الغروب.

فإذا جَنَّهم الليل .. واختلط الظلام .. وفرشت الفرش .. وخلا كل حبيب بحبيبه .. قاموا إجلالاً لمولاهم .. فتطهروا للوقوف بين يديه .. ونصبوا أقدامهم .. وافترشوا وجوههم .. وناجوا ربهم بكلامه .. وتملقوا إليه بإنعامه.

فهم بين خاشع وباك .. وبين متأوه وشاك .. وبين معظم وحامد .. وبين قائم وقاعد .. وبين راكع وساجد .. وبين مسبح ومستغفر وتائب.

والجبار الذي لا تأخذه سنة ولا نوم يراهم .. بعيني ما يتحملون من أجلي؟ .. وبسمعي ما يشكون من حبي؟.

فلله ما أعظم هؤلاء .. وما أكبر عقولهم .. وما أحسن عملهم .. وما أفقههم .. وما أعلمهم: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (٩)} [الزمر: ٩].

وما أعظم لذتهم بمناجاة مولاهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة: ١٦، ١٧].

وكثير من الناس لا يعرف من العبادة إلا الأعمال الظاهرة، أما حال القلب وعمله وحبه وشوقه وتعلقه بربه، فقد لا يبالي أن ينصرف لأي وجهة؛ لقصور نهمه، ونقص علمه.

فالتعبد هو غاية الحب لله، وغاية الذل له، فالمحب قد ذلَّله الحب لمولاه، وذلك لا يصلح إلا لله وحده لا شريك له، فمحبة العبودية هي أشرف أنواع المحبة.

وكلما كان قلب العبد في محبة الله وذكره وطاعته كان معلقاً بالمحل الأعلى، فلا يزال في علوٍّ ما دام كذلك، فإذا أذنب هبط قلبه إلى أسفل، فلا يزال في هبوط ما دام كذلك، ولهذا شرع الله الصلوات والعبادات لاستدامة ذكره سبحانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>