وَأعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» أخرجه مسلم (١).
الخامس: مشهد الحكمة.
وهو أحد مشاهد أهل الاستقامة، وهؤلاء يشهدون أن الله لم يخلق شيئاً عبثاً ولا سدى، وأن له الحكمة البالغة في كل ما قدره وقضاه، من خير وشر، وطاعة ومعصية.
وأنه لا يكون في العالم شيء إلا بمشيئة الله وقدره، وأن لله في ظهور المعاصي والجرائم حكم وأسرار، يترتب عليها ما هو أحب إليه وآثر عنده من قوته بتقدير عدم المعصية.
فصاحب هذا المشهد يرى حكمة الله في تخليته بينه وبين الذنب، واقتداره عليه، وتهيئة أسبابه له، وأنه لو شاء عصمه وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة لا يعلم مجموعها إلا الله.
فهو سبحانه يحب التوابين، فلمحبته للتوبة وفرحه بها قضى على عبده بالذنب، ثم إذا كان ممن سبقت له الحسنى قضى له بالتوبة.
وليعرف العبد عزة ربه في قضائه ونفوذ مشيئته، وجريان حكمه.
وليعرف حاجته إلى حفظ ربه، وأنه إن لم يحفظه فهو هالك.
وليستجلب من عبده استعانته به، والتضرع إليه، والاستعاذة به من شر نفسه وشر عدوه.
وإرادته من عبده تكميل مقام الذل والانكسار له، فإنه متى شهد صلاحه واستقامته شمخ بأنفه، وظن أنه وأنه، فإذا ابتلاه ربه بالذنب تصاغرت نفسه وذلت.
وتعريف عبده بحقيقة نفسه، وأنها الخطاءة الجاهلة، وأن كل ما فيها من علم أو عمل أو خير فمن الله مَنَّ به عليه لا من نفسه.