وكل من مشى على طريق الشهوات فهذا في الظاهر كالحلوى، وفي الحقيقة هو عين السم، فتفتح له أبواب الشقاء والمصائب، ولا يزال في البلاء والشدة حتى ينال كمال العذاب في جهنم.
والذي يستعمل جوارحه وأمواله وأوقاته حسب أمر الله، فلا يأكل إلا ما أمر الله بأكله، ولا يلبس إلا ما أمر الله بلبسه، ولا يعبد الله إلا بما شرع، يؤدي الواجبات، ويجتنب المحرمات، ويقيد نفسه بأوامر الله، فهذا إذا جاء يوم القيامة أطلق الله جوارحه في الشهوات والملذات الدائمة، ومَلَّكَه جوارحه، وخَلَّده في النعيم المقيم في الجنة.
ومن استعمل جوارحه وأمواله وأوقاته كيف شاء، فالله يمهله ويتركه يتمتع ويأكل ويلعب، فإذا جاء يوم القيامة قيده الله وأذله وأهانه وخلده في النار: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (١٢)} [محمد: ١٢].
والله سبحانه إنما يخلي بين العبد والذنب لأجل معنيين:
أحدهما: أن يعرف العبد عزة ربه في قضائه، وبره في ستره، وحلمه في إمهال راكبه، وكرمه في قبول العذر منه، وفضله في مغفرته.
فهو سبحانه العزيز الذي يقضي بما يشاء، وأنه لكمال عزته حكم على العبد وقضى عليه بما شاء، وقلب قلبه، وصرف إرادته على ما يشاء.
وبذلك يعرف العبد أنه مدبر مقهور، ناصيته بيد غيره، لا عصمة له إلا بعصمته، ولا توفيق له إلا بمعونته.
ويشهد أن الكمال والحمد، والغنى والعزة، والقوة والقدرة، كلها لله وحده، ويعرف بره سبحانه في ستره عليه حال ارتكاب المعصية مع كمال رؤيته له وقدرته عليه، ولو شاء لفضحه بين خلقه فحذروه ومقتوه.
وهذا من كمال بره بعبده مع كمال غناه عنه، وكمال فقر العبد إليه.
فإذا اشتغل العبد بمطالعة هذه المنَّة، ومشاهدة هذا البر والإحسان والكرم من ربه، أقبل على طاعته، وأقلع عن معصيته.