للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أموالهم.

ولما كان ضرر المحارب أشد من ضرر السارق، وعدوانه أعظم، ضم إلى قطع يده قطع رجله، ليكف عدوانه عن الناس، ورحمه بأن جعل القطع من خلاف فأبقى له يداً من شق، ورجلاً من شق.

وأما الجلد فجعله سبحانه عقوبة على الجناية على الأعراض وعلى العقول وعلى الأبضاع، ولم تبلغ هذه الجنايات مبلغاً يوجب القتل ولا إبانة الطرف.

فسبحان الحكيم العليم بخلقه، جعل إتلاف النفوس في مقابلة أكبر الكبائر وأعظمها ضرراً، وأشدها فساداً في العالم وهي:

الكفر الأصلي والطارئ .. والقتل .. والزنا من المحصن.

وإذا تأمل العاقل فساد الحياة رآها من هذه الجهات الثلاث وقد سأل عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم؟ فقال: «أنْ تَجْعَلَ لله نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ» قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: «وَأنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: «أنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» متفق عليه (١).

فأنزل الله تصديق ذلك بقوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨)} [الفرقان: ٦٨].

ثم لما كانت سرقة الأموال تلي ذلك في الضرر وهو دونه جعل عقوبته قطع اليد، ثم لما كان القذف دون سرقة المال في المفسدة جعل عقوبته دون ذلك وهو الجلد.

ثم لما كان شرب المسكر أقل مفسدة من ذلك جعل حده دون حد هذه الجنايات كلها.

ثم لما كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتة غير منضبطة في الشدة والضعف .. والقلة والكثرة، وهي ما بين النظرة والخلوة والمعانقة جعلت عقوباتها راجعة


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٤٤٧٧)، واللفظ له، ومسلم برقم (٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>