للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجعل سبحانه قوة سير الناس على الصراط على قدر قوة سيرهم في الدين وسرعتهم إليه في الدنيا.

ونصب للمؤمنين حوضاً يشربون منه بإزاء شربهم من شرعه في الدنيا، وحَرَمَ من الشرب منه هناك من حَرََمَ نفسه من الشرب من شرعه ودينه في الدنيا.

فالدنيا مزرعة الآخرة:

فمن هدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه، هدي هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه.

وعلى قدر سيره على هذا الصراط سيكون سيره على ذاك الصراط المنصوب على متن جهنم.

فمن الناس من يمر كالبرق .. ومنهم من يمر كالطرف.

وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجسر فقال: «دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ، كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» متفق عليه (١).

فلينظر العبد إلى الشبهات والشهوات والمظالم التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم، فإنها الكلاليب التي بجنبتي الصراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه، فإن كثرت هنا وقويت فكذلك هي هناك: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)} [فصلت: ٤٦].

والله عليم خبير يجزي الإنسان بجنس عمله، فمن خالف الرسل عوقب بمثل ذنبه، فإن قدح فيهم ونسب ما يقولون إلى أنه جهل وخروج عن العلم والعقل ابتلي في عقله وعلمه، وظهر من جهله ما عوقب به.

ومن قال عنهم إنهم تعمدوا الكذب أظهر الله كذبه، ومن قال أنهم جهال أظهر


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧٤٣٩)، ومسلم برقم (١٨٣)، واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>