لكل يسرى، وأكمل الناس من كملت له هذه القوى الثلاث قوة الإعطاء .. وقوة الكف .. وقوة الفهم.
فهذا أهل أن ييسر لليسرى، فتصير خصال الخير ميسرة عليه، مذللة له، منقادة لا تستعصي عليه؛ لأنه مهيأ لها، ميسر لفعلها، يسلك سبلها ذللاً، يتلذذ بفعلها حتى يلقى ربه فيدخل الجنة.
أما من بخل فعطل قوة الإرادة والإعطاء عن فعل ما أمر الله به .. واستغنى بترك التقوى عن ربه، فعطل قوة الكف عن فعل ما نهى الله عنه .. وكذب بالحسنى، فعطل قوة العلم والإدراك عن التصديق بالإيمان وجزائه ..
فهذا جزاؤه أن ييسر للعسرى، ويحال بين قلبه وبين الإيمان، فيعمل بأعمال أهل النار، وتصير خصال الشر ميسرة عليه، يعمل بها حتى يلقى الله فيدخله النار.
والله سبحانه هو الذي يسر للعبد أسباب الخير والشر، وخلق خلقه قسمين: أهل سعادة، فَيَسَّرهم لليسرى .. وأهل شقاوة فيَسَّرهم للعسرى، واستعمل هؤلاء في الأسباب التي خلقوا لغاياتها، لا يصلحون لسواها، وهؤلاء في الأسباب التي خلقوا لغاياتها لا يصلحون لسواها.
وحكمته الباهرة تأبى أن يضع عقوبته في موضع لا تصلح له، كما يأبى أن يضع كرامته وثوابه في محل لا يصلح لهما ولا يليق بهما.
والعبد إذا أخلى قلبه من محبة الله، والإنابة إليه، وطلب مرضاته .. وأخلى لسانه من ذكره وحمده والثناء عليه .. وأخلى جوارحه من شكره وطاعته وعبادته .. ولم يرد من نفسه ذلك .. ونسي ربه .. نسيه الله كما نسيه .. وقطع عنه الإمداد الواصل إليه منه كما قطع العبد العبودية والشكر والتقوى التي تناله من عباده كما قال سبحانه: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)} [الحج: ٣٧].