والنفس في علاجها كالبدن في علاجه، فكما أن البدن لا يُخلق كاملاً، وإنما يكمل بالتربية بالغذاء، فكذلك النفس تُخلق ناقصة قابلة للكمال.
وإنما تكمل النفس بالتزكية، وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم.
وكما أن العلة الموجبة لمرض البدن لا تعالج إلا بضدها، إن كانت من حرارة فبالبرودة، وإن كانت من برودة فبالحرارة.
فكذلك الأخلاق الرذيلة التي هي مرض القلب علاجها بضدها، فيعالج مرض الجهل بالعلم، ومرض البخل بالسخاء، ومرض الكبر بالتواضع .. وهكذا.
وكما أنه لا بدَّ من احتمال مرارة الدواء، والصبر عن المشتهيات لصلاح البدن، فكذلك لا بد من احتمال مرارة المجاهدة، والصبر على مداواة مرضى القلب حتى يزكو.
والقلوب جوالة، منها ما يطوف مع البهائم حول الحش، ومنها ما يطوف مع الملائكة حول العرش: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢)} ... [فاطر: ١٩ - ٢٢].
والله عزَّ وجلَّ جعل في النفس حباً لما ينفعها، وبغضاً لما يضرها.
فلا تفعل النفس مع حضور عقلها ما تجزم بأنه يضرها ضرراً راجحاً.
والبلاء مركب من شيئين:
من تزيين الشيطان .. ومن جهل النفس.
فإن الشيطان يزين لها السيئات، ويريها إياها في صور المنافع واللذات والطيبات، ويُغفلها عن مطالعتها لمضرتها.
فيتولد من هذا التزيين، وهذا الإغفال، وهذا الإنساء، إرادة وشهوة، ثم يمدها بأنواع التزيين، فلا يزال يقوى حتى يصير عزماً جازماً يقترن به الفعل، كما زين للأبوين الأكل من الشجرة كما قال سبحانه في تزيين الشيطان للشر: {فَلَوْلَا إِذْ