إزالة الكبر، فالإنسان مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه أذل من كل ذليل، وأنه لا يليق به إلا التواضع والذلة.
وإذا عرف ربه علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا بالله العلي العظيم.
فأما معرفة العبد نفسه فأولاً لم يكن الإنسان شيئاً مذكوراً، ثم خلقه الله من أرذل الأشياء وأقذرها وهو التراب، ثم من نطفة ثم من علقة، ثم من مضغة ثم جعله عظماً، ثم كسى العظام لحماً كما قال سبحانه: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢)} [عبس: ١٧ - ٢٢].
فما صار الإنسان شيئاً مذكوراً إلا وهو على أخس الأوصاف والنعوت، فكان في بداية خلقه جماداً ميتاً، لا يسمع ولا يبصر، ولا يحس ولا يتحرك، ولا ينطق ولا يبطش، ولا يدرك ولا يعلم.
فبدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبجهله قبل علمه، وبعماه قبل بصره، وبصممه قبل سمعه، وبضلالته قبل هداه، وبفقره قبل غناه، وبعجزه قبل قدرته.
ثم مَنَّ الله عليه ويسر له السبيل فأحياه بعد أن كان ميتاً .. وأسمعه بعد ما كان أصم .. وبصَّره بعد ما كان فاقداً للبصر .. وقواه بعد الضعف .. وعلَّمه بعد الجهل .. وأغناه بعد الفقر .. وأشبعه بعد الجوع .. وكساه بعد العري .. وهداه بعد الضلال: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣)} [الإنسان: ١ - ٣].
فانظر كيف دبر الله الإنسان وصوره، وإلى السبيل كيف يسره، وإلى طغيان الإنسان ما أكفره؟.
ثم انظر إلى نعمة الله عليه كيف نقله من تلك الذلة والقلة، والخسة والقذارة والعجز والضعف إلى هذه الرفعة والكرامة، فصار موجوداً بعد العدم، وحياً بعد الموت، وناطقاً بعد البكم، وبصيراً بعد العمى، وقوياً بعد الضعف، ومهدياً بعد