والكافر مفتون بالمؤمن في الدنيا، كما أن المؤمن مفتون بالكافر، ولذلك سأل المؤمنون ربهم أن لا يجعلهم فتنة للذين كفروا كما قال سبحانه عن المؤمنين: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥)} [الممتحنة: ٤، ٥].
وقال أصحاب موسى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٨٦)} [يونس: ٨٥، ٨٦].
أي لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولون: لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم بهذا، ولا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق، فيفتنوا بذلك فيهلكوا، ولا تقتِّر علينا الرزق وتبسطه عليهم فيكون ذلك فتنة لهم.
والإنسان في هذه الحياة الدنيا محل الفتنة، فهو مفتون لا محالة: إما بالخير وإما بالشر، فهو مفتون بشهواته، ونفسه الأمارة بالسوء، وشيطانه المغوي المزين، وقرناء السوء، وما يراه وما يشاهده وما يسمعه، وغير ذلك مما يعجز صبره عنه من الأموال والأولاد والشهوات كما قال سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٣٥)} [الأنبياء: ٣٥].
والفتنة نوعان:
فتنة الشهوات .. وفتنة الشبهات.
وقد تجتمعان للعبد، وقد ينفرد بأحدهما.
ففتنة الشبهات: من ضعف البصيرة، وقلة العلم، لا سيما مع وجود فساد القصد، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، فهذا من الذين قال الله فيهم: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣)} [النجم: ٢٣].
وهذه الفتنة أعظم الفتنتين، ومآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع على حسب مراتبهم.
وهذه الفتنة تنشأ من عدة أسباب:
تارة تنشأ من فهم فاسد .. وتارة من نقل كاذب .. وتارة من حق خفي على الرجل