ثم هم بعد ذلك يرجون أن يخرجهم الله من الفتنة؛ لأنهم في ذاتهم صالحون طيبون.
إن هذا خلاف سنة الله الجارية، فليستجيبوا لله في كل ما أمرهم الله به، ويستعينوا به وحده، ويتوكلوا عليه وحده، وإلا أصابتهم فتنة تدع الحليم حيراناً: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢٥)} [الأنفال: ٢٤، ٢٥].
ولما كانت مقاومة الظلم والفساد تكلف الناس أنفسهم وأموالهم، فإن الله يذكر العصبة المسلمة ويطمئنهم بتأييده ونصره ورزقه لمن استجاب لله والرسول فيقول: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)} ... [الأنفال: ٢٦].
فالعصبة المؤمنة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما كان من ضعفها وقلة عددها، وبما كان من الأذى الذي ينالها، والخوف الذي يظللها، وكيف آواها الله بدينه، وأيدها بنصره، وأعزها ورزقها من الطيبات، فكما تحقق موعود الله لهذه العصبة التي استجابت، فهو كذلك وعد لكل عصبة تستقيم على طريقه، وتصبر على تكاليفه كما قال سبحانه: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣)} [يونس: ١٠٣].
إن جوهرة الإيمان وقاعدته أزكى من كل شيء، وإن قيم هذه الأرض لمن الزهادة والرُّخْص، بحيث لو شاء الله لأغدقها إغداقاً على الكافرين به، لولا أن تكون فتنة للناس تصدهم عن الإيمان بالله.
ولولا خوف الفتنة على المؤمنين لبذلت الدنيا للكفار هكذا رخيصة بلا تعب؛