للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلفاً فلا يصبر عنها، وربما لا يقدر على استدامتها إلا بكسب فيه شبهة فيقتحم الشبهات، ويترقى إلى الكذب والنفاق، ثم يدخل في المحرمات لتكميل شهواته، ثم يترقى إلى الكبائر كما قال سبحانه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)} [مريم: ٥٩].

الثالثة: أن يلهيه ماله عن ذكر الله عزَّ وجلَّ وعبادته، وهذا هو الداء العضال الذي لا ينفك عنه أحد، فإن أصل العبادات ذكر الله عزَّ وجلَّ، والتفكر في جلاله وعظمته، وذلك يستدعي قلباً فارغاً يناجي ربه لا يشغله شيء عنه، وصاحب الضيعة يصبح ويمسي متفكراً في أحوال ضيعته، وصاحب التجارة يمسي ويصبح متفكراً في أحوال تجارته، وفي الخوف على ماله.

هذا سوى ما يقاسيه أرباب الأموال في الدنيا من الخوف والحزن، والهم والغم، والعناء والتعب، في متاع يفنى، وخير من ذلك لو كان الجهد في أرباح تبقى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥)} [آل عمران: ١٥].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ» أخرجه مسلم (١).

وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

«اللَّهُمَّ! اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» متفق عليه (٢).

والسنة فيمن وجد المال أن يستعمله في السخاء والإيثار، واصطناع المعروف، ومن فقد المال أن يستعمل القناعة والاقتصاد في المعيشة.

وإذا تيسر للإنسان في الحال ما يكفيه فلا يضطرب لأجل المستقبل، وإذا انسد عنه باب كان ينتظر منه الرزق فلا ينبغي أن يضطرب قلبه، فلن ينقص رزقه الذي قدره الله له: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ


(١) أخرجه مسلم برقم (١٠٥٤).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٤٦٠)، ومسلم برقم (١٠٥٥) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>