يسمعون ما يفيدهم، وجعل على أبصارهم غشاوة تمنعها من النظر الذي ينفعهم: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٧)} [البقرة: ٧].
فهذا لهم عقاب عاجل في الدنيا، أما العقاب الآجل فهو عذاب النار، وسخط الجبار المستمر الدائم: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٣٤)} ... [الرعد: ٣٤].
وطبيعة المعرضين عن الهدى واحدة، وحجتهم كذلك مكرورة على مر الأجيال والقرون: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)} [الزخرف: ٢٣].
فليس قصد هؤلاء المشركين الضالين بتقليد آبائهم اتباع الحق والهدى، وإنما هو تعصب محض يراد به نصرة ما معهم من الباطل، ولهذا كل رسول يقول لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٢٤)} [الزخرف: ٢٤].
فتغلق قلوب هؤلاء على هذه المحاكاة، وتطمس عقولهم، دون التدبر لأي جديد، ولو كان أهدى، ولو كان أجدى، ولو كان يصدع بالدليل والبرهان، فعلم بهذا أنهم ما أرادوا اتباع الحق والهدى، وإنما أرادوا اتباع الباطل والهوى.
فإذا تمسكوا بما عليه آباؤهم من الضلال، ولم يستجيبوا للرسول، فلا يكون إلا التدمير والتنكيل لهذه الجبلة التي لا تريد أن تفتح عينها لترى، أو تفتح قلبها لتحس، أو تفتح عقلها لتستبين: {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥)} ... [الزخرف: ٢٤ - ٢٥].
وقد جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوة الحق كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٧)} [فصلت: ٦ - ٧].
وواجه النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوة التوحيد الكفار والمشركين من أول يوم، وأمره ربه