والإسلام وإن كان له مع هؤلاء عهود أمر الله بالوفاء بها فهي عهود مرحلية لمواجهة الواقع، والذي يقضي بأن يدع من يسالمونه ابتداءً من المشركين ليتفرغ لمن يهاجمونه، وأن يوادَع من يريدون موادعته في فترة من الفترات، وأن يعاهَد من يريدون معاهدته في مرحلة من المراحل، فإنه لا يغفل لحظة عن هدفه النهائي، الذي يستهدف ابتداءً أن لا يكون في الأرض شرك بالله، وأن تكون العبودية لله وحده لا شريك له كما قال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣)} ... [البقرة: ١٩٣].
كما أنه لا يغفل أن هذه العهود مع المشركين موقوتة من جانب أنفسهم، وأنهم لا بدَّ مهاجموه ومحاربوه ذات يوم.
وأنهم لن يتركوه وهم يستيقنون من هدفه، ولن يأمنوه على أنفسهم إلا ريثما يستعدون له، ويستديرون لمواجهته كما قال الله عنهم: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢١٧)} [البقرة: ٢١٧].
والله عزَّ وجلَّ يريد من عباده أن يعبدوه وحده لا شريك له، وهم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، وآذوا المسلمين، وفتنوهم عن دينهم: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٢٥)} [الفتح: ٢٥].
فكيف يكون لهؤلاء المشركين عهد عند الله وعند رسوله؟.