وحول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال الله عنهم: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢)} [آل عمران: ٧٢].
وذلك كله قبل أن يسفروا بوجوههم في الحرب المعلنة الصريحة.
فلم يكن بدّ من كشفهم للمسلمين ليتقوهم ويحذروهم، وقد علم الله أنهم سيكونون أعداء هذه الأمة في تاريخها كله، كما كانوا أعداء هدى الله في ماضيهم كله.
فعرض الله لهذه الأمة أمرهم كله مكشوفاً، ووسائلهم كلها مكشوفة.
وبنو إسرائيل هم أصحاب آخر دين قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد امتد تاريخهم قبل الإسلام فترة طويلة، ووقعت الانحرافات في عقيدتهم، ووقع منهم النقض المتكرر لميثاق الله معهم، ووقع في حياتهم آثار هذا النقض، وهذا الانحراف.
فاقتضى هذا أن تُلم الأمة المسلمة وهي وارثة الرسالات كلها بتاريخ القوم، لتتقي مزالق الطريق، ومداخل الشيطان، وبوادر الانحراف.
وقد علم الله أن الأمد حين يطول على الأمم تقسو قلوبها، وتنحرف أجيال منها، وهذه الأمة سيمتد تاريخها إلى أن تقوم الساعة، فجعل سبحانه أمام أئمة هذه الأمة نماذج من العقابيل التي تُلم بالأمم، يعرفون منها كيف يعالجون الداء بعد معرفة طبيعته.
وقد أنعم الله على أهل الكتاب بنعم كثيرة، واختارهم على العالمين في زمانهم، وأفاء عليهم من عطاياه كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (٢٠)} ... [المائدة: ٢٠].
ولكن أهل الكتاب لم يشكروا النعمة، فنقضوا الميثاق، ونسوا الكتاب، وحرفوا الكلم عن مواضعه، ولجوا في المعاصي، فاستحقوا غضب الله ولعنته، وحق عليهم القول بسبب ما اقترفوا، وباءوا بغضب على غضب كما قال سبحانه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ