فنفس الاضطرار يكون بانقطاع أمله مما سوى الله، فيضطر حينئذ بقلبه وروحه، ونفسه وبدنه إلى ربه ضرورة تامة.
فهذا النفَس نَفَس مضطر إلى ما لا غنى عنه طرفة عين.
وضرورته إليه من جهة كونه ربه وخالقه، وفاطره وهاديه، وناصره وحافظه، ورازقه ومعينه ومعافيه، والقائم بجميع مصالحه.
ومن جهة كونه معبوده وإلهه وحبيبه الذي لا تكمل حياته ولا تنفع إلا بأن يكون هو وحده أحب شيء إليه.
وأما نَفَس الافتقار: فهو من نوع َفَس الاضطرار، وكأن نَفَس الاضطرار يقطع الخلق من قلبه، ونَفَس الافتقار يعلق القلب بربه.
وأما نَفَس الافتخار: فهو نتيجة هذين النَّفَسَين؛ لأنهما إذا صحا للعبد حصل له القرب من ربه والأنس به، والفرح به، وبالخِلَع التي خلعها ربه على قلبه وروحه، مما لا يقوم لبعضه ممالك الدنيا بحذافيرها.
فحينئذ يتنفس نفساً آخر يجد به من اللذة والراحة والانشراح ما يشبه نَفَسَ من جُعل في عنقه حبل ليُخنق به حتى يموت، ثم كُشف عنه، فتنفسَ نَفَسَ من أُعيدت عليه حياته، وتخلص من أسباب الموت.
والعبودية تنافي الافتخار، لكن العبد هنا لا يفتخر بذلك، ويختال على بني جنسه، بل هو فرح وسرور لا يمكن دفعه عن نَفْسه بما فتح عليه ربه ومنحه إياه، وخصه به، وأولى ما فرح العبد به فضل ربه عليه، فإنه تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ويحب الفرح بذلك؛ لأنه من الشكر: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)} [يونس: ٥٨].
ومن لا يفرح بنعمة المنعم لا يعد شكوراً، فهو افتخار بما هو محض منَّة الله ونعمته على عبده، لا افتخار بما من العبد، فهذا هو الذي ينافي العبودية لا ذاك.