والقسم الثاني: الذين قطعوا تلك المراحل سائرين فيها إلى الله وإلى دار السلام، وهم ثلاثة أصناف:
ظالم لنفسه .. ومقتصد .. وسابق بالخيرات بإذن الله.
وهؤلاء كلهم مستعدون للسير، موقنون بالرجعى إلى الله، ولكنهم متفاوتون في التزود، وتعبئة الزاد واختياره، وفي نفس السير وسرعته وبطئه كما قال سبحانه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)} [فاطر: ٣٢].
وسعي العبد وحركته في هذه الحياة أربعة أنواع:
سعي لجلب نفع مفقود كالكسب ... أو لحفظ موجود كالادخار .. أو لدفع ضرر لم ينزل كدفع الصائل .. أو لإزالة ضرر قد نزل كالتداوي من المرض.
والإنسان في الحقيقة متوجه من الدنيا إلى الآخرة، ومن عالم الشهادة إلى عالم الغيب، ومن دار العمل إلى دار الجزاء، ومن الدار الفانية إلى الدار الباقية، ومن السعادة الجزئية أو الشقاوة الجزئية، إلى السعادة الكلية أو الشقاوة الكلية، فالخير كله بحذافيره في الجنة، والشر كله بحذافيره في النار، والناس قادمون على ربهم، ومجزيون بأعمالهم: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦)} ... [الغاشية: ٢٥ - ٢٦].