إن الله خلق الجبال العظيمة الصلبة العالية الراسية، وأخبر عنها أنه لو أنزل عليها كلامه لخشعت وتصدعت من خشية الله كما قال سبحانه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)} [الحشر: ٢١].
فوا عجبًا من مضغة لحم أقسى من هذه الجبال، تسمع آيات الله تتلى عليها، ويُذكر الرب جل جلاله فلا تلين ولا تخشع ولا تنيب، فليس بمستنكَر على الله ولا يخالف حكمته أن يخلق لها ناراً تذيبها إذا لم تَلِنْ بكلامه وذكره وزواجره ومواعظه.
فمن لم يلن في هذه الدار قلبه، فإن أمامه المليِّن الأعظم في نار جهنم التي تذيب الأجسام الصلبة، والأحجار القاسية، والنفوس العاصية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)} [التحريم: ٦].