للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ» متفق عليه (١).

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنَامُ وَلا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» أخرجه مسلم (٢).

واذا صارت أسماء ربه، وصفات ربه، مشهدا لقلبه، أَنْسَتْه ذكر غيره، وشغلته عن حب من سواه، وجذبت دواعي قلبه إلى حبه تعالى بكل جزء من أجزاء قلبه وروحه وجسمه.

فحينئذ يكون الرب سبحانه سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبه يسمع وبه يبصر، وبه يبطش، ربه يمشي.

قال رسول الله (: «إِنَّ الله قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَألَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» أخرجه البخاري (٣).

فيبقى قلب العبد الذي هذا شأنه عرشاً لمعرفة محبوبه ومحبته، ومعرفة عظمته وجلاله وكبريائه، وناهيك بقلب هذا شأنه، فيا له من قلب من ربه ما أدناه، ومن قربه ما أحظاه، فهو ينزه قلبه أن يساكن سواه، أو يطمئن بغير مولاه.

فهؤلاء قلوبهم قد قطعت الأكوان، وسجدت تحت العرش، وأبدانهم في


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٤٦٨٤) واللفظ له، ومسلم برقم (٩٩٣).
(٢) أخرجه مسلم برقم (١٧٩).
(٣) أخرجه البخاري برقم (٦٥٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>