مولاه الذي حرَّكه، مستعين به في أن يوفقه إلى ما يحبه ويرضاه، عينه في كل لحظة شاخصة إلى حق مولاه المتوجه عليه لربه يؤديه في وقته على أكمل أحواله.
فهؤلاء إذا وردت عليهم أقداره التي تصيبهم بغير اختيارهم، قابلوها بمقتضاها من العبودية، وهم فيها على ثلاث مراتب:
إحداهما: الرضى عنه فيها، والمزيد من حبه والشوق إليه، وهذا ناشيء من مشاهدتهم للطفه فيهم، وبره وإحسانه العاجل والآجل، ومن مشاهدتهم حكمته فيها، ونصبها سبباً لمصالحهم.
الثانية: شكره عليها كشكره على النعم، وهذا فوق الرضا عنه بها، فهاتان مرتبتان لأهل هذا الشأن.
الثالثة: للمقتصدين، وهي مرتبة الصبر التي إذا نزل منها نزل إلى اليأس والجزع، الذي لا يفيد إلا فوات الأجر وتضاعف المصيبة.
ولما كانت الحياة الدائمة مبنية على الحياة الفانية، بما فيها من عمل فمن آمن وعمل صالحاً فله الجنة، ومن كان بضد ذلك فله النار، أمرنا الله عزَّ وجلَّ بالتجارة الرابحة فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣)} [الصف ١٠ - ١٣]
وقد استجاب أكثر الخلق للشيطان، فأشغلهم وخدعهم بالتجارة الخاسرة عن التجارة الرابحة التي أرسل الله بها الأنبياء، وكفى بذلك عقوبة {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)} [سبأ: ٢٠].
والهدف والغاية من حياة الإنسان ثلاثة أمور وهي:
عبادة الله عز وجل .. والدعوة إلى الله .. والخلافة في الأرض.