وهذا غالباً إما أن يكره الموت ليكمل استعداداته وزينته للقاء ربه، وإما أن يستبطيء مجيء الموت، ويحب مجيئه، ويتخلص من دار العاصين، وينتقل إلى جوار رب العالمين.
والموت هادم اللذات، وخطره عظيم، وما بعده أفظع منه، وغفلت الناس عنه بسبب قلة ذكرهم له، وقلة فكرهم فيه.
ومن يذكره من الناس لا يذكره بقلب فارغ، بل بقلب مشغول بشهوة الدنيا، فلا ينجع ذكر الموت في قلبه.
فالطريق النافع أن يفرِّغ العبد قلبه عن كل شيء إلا عن ذكر الموت، الذي هو بين يديه، وأقرب من شراك نعله إليه، فإذا باشر ذكر الموت قلبه فيوشك أن يؤثر فيه.
وعند ذلك يقل فرحه وسروره في الدنيا، وينكسر قلبه.
وأنجع طريق فيه أن يكثر من ذكر أقرانه، الذين ماتوا قبله، فيتذكر صورهم في مناصبهم، وقصورهم وأحوالهم، ثم يتذكر موتهم ومصارعهم تحت التراب، وكيف محا التراب الآن حُسْن صورهم؟.
وماذا قالوا؟ وماذا قيل لهم؟ وماذا عملوا؟ وماذا وجدوا؟.
قال الله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦)} [الغاشية: ٢٥، ٢٦].
فما أعظم الخطب، وما أشد الكرب هناك حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ