للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة حفاة عراة غرلاً، فتدنو الشمس منهم في ذلك اليوم كمقدار ميل كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «تُدْنَى الشَّمْسُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ».

قَالَ سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ! مَا أدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أمَسَافَةَ الأرْضِ، أمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ.

قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا».

قَالَ وَأشَارَ رَسُولُ اللهِ (بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. أخرجه مسلم (١).

ويجيء الله عزَّ وجلّ َيوم القيامة لفصل القضاء، فتشرق الأرض بنور ربها، وتخشع الخلائق لهيبة الله وعظمته وجلاله كما قال سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} ... [الفجر: ٢٢].

وقال سبحانه: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (١٠٨)} [طه: ١٠٨]. وإذا حشر الناس إلى ربهم يوم القيامة، واشتد كربهم لطول العناء والانتظار، وشدة الأهوال، رغبوا إلى ربهم أن يحكم فيهم، فإذا طال موقفهم وعظم كربهم ذهبوا إلى الأنبياء ليشفعوا لهم عند الله ليفصل بينهم.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ» متفق عليه (٢).

ثم يفصل الله بين الناس، ويحاسبون على أعمالهم، فتعطى الكتب، وتوضع الموازين، ويحاسب كل فرد، فآخذ كتابه بيمينه إلى الجنة، وآخذ كتابه بشماله إلى النار: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)} [الزمر: ٧٥].


(١) أخرجه مسلم برقم (٢٨٦٤).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٤٧١٢)، ومسلم برقم (١٩٤) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>