للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يخلع إلا على من أبلى عمره في الخدمة والنصرة.

وكل واحد من هؤلاء الأقسام متفاوت في النعيم والعذاب، وعبور الصراط حسب أعمالهم وأحوالهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا الْجِسْرُ؟ قال: «دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ، كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» متفق عليه (١).

وأما اختلاف العذاب بالشدة فلا نهاية لأعلاه، وأدناه التعذيب بالمناقشة في الحساب، كما أن الملك قد يعذب بعض المقصرين في الأعمال بالمناقشة في الحساب ثم يعفو، وقد يضرب بالسياط، أو يعذب بغيرها من أنواع العذاب.

وأهل السعادة متفاوتون في النعيم كذلك على حسب أعمالهم في الدنيا.

فالمؤمن إذا أدى الفرائض واجتنب الكبائر، ولم يكن منه إلا صغائر متفرقة لا يصر عليها فيشبه أن يعفى عنه كما قال سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)} [النساء: ٣١].

وهذا إما أن يُلحق بالمقربين، أو بأصحاب اليمين، وذلك بحسب إيمانه ويقينه، فإن قل أو ضعف دنت منزلته، وإن زاد أو قوي علت منزلته.

والمقربون يتفاوتون بحسب تفاوت معرفتهم بالله تعالى.

ودرجات العارفين في معرفة الله، ومعرفة عظمته، ومعرفة آلائه، ومعرفة دينه لا تنحصر، بل هي متفاوتة؛ لأن بحر المعرفة لا ساحل له، وإنما يغوص فيه الغواصون بقدر قواهم:

فأعلى درجات أصحاب اليمين أدنى درجات المقربين.


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧٤٣٩)، ومسلم برقم (١٨٣) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>