قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أحَداً الْجَنَّةَ عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلا أنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ:«وَلا أنَا، إِلا أنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ» متفق عليه (١).
فالعمل سبب لدخول الجنة، لكنه غير مستقل بحصوله، وليس العمل عوضاً عن الجنة، بل دخول الجنة برحمة الله، وقد جمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينهما كما سبق.
والله تبارك وتعالى بمنه وفضله وكرمه يقرب الجنة للمتقين كما قال سبحانه: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣)} [ق: ٣١ - ٣٣].
فوصف الله أهل الجنة بأربع صفات:
إحداها: أن يكون العبد أواباً أي رجاعاً إلى الله من معصيته إلى طاعته، ومن الغفلة عنه إلى ذكره، كلما أذنب ذنباً استغفر الله منه.
الثانية: أن يكون حفيظاً لما ائتمنه الله عليه وافترضه، حافظاً لما استودعه الله من حقه ونعمته، ممسكاً عن معاصيه ونواهيه، فالحفيظ الممسك عما حرم الله عليه، والأواب المقبل على الله بطاعته.
الثالثة: أن يكون ممن يخشى الله بالغيب، لكمال معرفته بربه وقدرته، وكمال علمه واطلاعه على تفاصيل أحوال العبد، ومعرفته بكتبه ورسله، وأمره ونهيه، ووعده ووعيده.
فمن عرف هذا خشي الرحمن بالغيب.
الرابعة: أن يكون منيباً إلى ربه، راجعاً عن معصيته، مقبلاً على طاعته.
وجزاء من قامت بهم هذه الصفات أن يقال لهم: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥)} [ق: ٣٤، ٣٥].
فيدخلون الجنة دخولاً مقروناً بالسلامة من الآفات والشرور، مأموناً فيه جميع
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦٤٦٧) واللفظ له، ومسلم برقم (٧٨٢).