ولما انتقل إلى المدينة - صلى الله عليه وسلم -، كان أول عمل قام به هو بناء مسجد قباء، حيث بناه وجمع المؤمنين من ذلك الحي فيه، وأخذ يعلمهم ويربيهم بما يزكي قلوبهم، ويصلح نفوسهم.
ولما دخل - صلى الله عليه وسلم - المدينة كان أول عمل قام به هو بناء المسجد النبوي، وجمع فيه المهاجرين والأنصار يصلي بهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويزكيهم، ويتشاور معهم في إقامة الدين، وبعث المعلمين والدعاة والمجاهدين إلى أقطار الأرض.
ويستقبل فيه الوفود، والراغبين في الإسلام، ويعلمهم ويكرمهم.
وما هي إلا أيام وشهور وإذا رجال ونساء يتخرجون من هذا المسجد، هم خير رجال ونساء في العالم، إيماناً وتقوى، وعلماً وحكمة، وإحساناً ورحمة.
وعنه عليه الصلاة والسلام أخذ هذه الطريقة التربوية أصحابه، فكانوا نماذج في كمال التربية الإسلامية، ربوا الأمم والشعوب التي فتحوا بلادها على الطهر والصفاء، والعزة والكرامة، والصدق والمحبة.
ولما مات أولئك المربون الصادقون أقفرت الدنيا، وأصابها الظلام، وحل بها الخراب والدمار إلا ما شاء ربك.
أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أبر هذه الأمة قلوباً .. وأعمقها علماً .. وأقلها تكلفاً .. وأحسنها أخلاقاً .. وأصدقها حديثاً .. رضي الله عنهم ورضوا عنه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)} ... [التوبة: ١٠٠].
هذه هي الطريقة التربوية الجماعية النافعة، فإن تعذرت يصار في إصلاح النفس إلى الطريقة التربوية الفردية.
فمن أراد تزكية نفسه وتكميلها، فإن عليه أن يخطو في تربية نفسه خطوتين:
الأولى: أن يُلزم نفسه وإن كانت كارهة بالقيام بالفرائض الدينية والواجبات