خلق الإنسان ومن عليه بالنعم، وفضله على غيره، وأنزل إليه كتبه، وأرسل إليه رسله، واعتنى به ولم يهمله، فهو يتقلب في نعمه في جميع أحواله.
فإذا تعرض العبد لغضب ربه، وارتكب مساخطه وما يكرهه، وأبعد منه، ووالى عدوه وتحيز إليه، وقطع طريق نعمه وإحسانه إليه، فقد استدعى من الجواد الكريم الرحيم خلاف ما هو موصوف به من الجود والإحسان والبر، وتعرض لإسخاطه وإغضابه وانتقامه، وأن يصير غضبه وسخطه في موضع رضاه، فاستدعى بمعصيته من أفعاله ما سواه أحب إليه منه.
وبينما هو كذلك آبق شارد عن سيده ومولاه، منهمك في موافقة عدوه، إذ عرضت له فكرة، فتذكر بر سيده وعطفه وجوده وكرمه، وعلم أنه لا بد له منه، وأن مصيره إليه، وعرضه عليه، وإن لم يقدم عليه بنفسه، قدم به عليه على أسوإِ الأحوال.
ففر إلى سيده من بلد عدوه، ووقف ببابه خاشعاً متضرعاً يتملق سيده، ويسترحمه ويستعطفه، ويعتذر إليه، فعلم سيده ما في قلبه فرضي عنه ورحمه، وأبدله بالعقوبة عفواً، وبالمنع عطاءً، وبالمؤاخذة حلماً، وبالبطش رحمة.
فلا تسأل عن فرح ربه به، وقد عاد إليه حبيبه ووليه طوعاً واختياراً، ففتح له طريق البر والإحسان والجود، والتي هي أحب إلى سيده من طريق الغضب والانتقام والعقوبة: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (٢٧) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (٢٨)} [النساء: ٢٧، ٢٨].
والإيمان بأسماء الله وصفاته معناه فهمها، والاعتراف بها، والتعبد لله بها، والعمل بمقتضاها، وهذا توحيد الأنبياء والمرسلين:
فأوصاف العظمة والكبرياء والمجد والجلال تملأ القلب هيبة لله وتعظيماً له.
وأوصاف العزة والقدرة والجبروت تجعل القلوب تخضع وتذل وتنكسر بين