فخلق الله عزَّ وجلَّ العباد حنفاء، ولكن الشياطين أخرجوهم عن سنن الحنيفية، وأفسدوا فطرهم وقلوبهم بالشرك والمعاصي، فأرسل الله الأنبياء بسنن الهدى رحمةً بالبشر.
وبالأضداد والأغيار يخرج من شاء الله من المخلوقات عن سنن الإتقان والحكمة، ولولا ذلك لكانت في مرتبتها كالمولود يولد على الفطرة.
فالماء خلقه الله طاهراً مطهراً، ولكن بمخالطته أضداده من الأنجاس والأقذار تغيرت أوصافه، وخرج عن الخلقة التي خلقه الله عليها، فكانت تلك النجاسات والأقذار بمعنى أبوي الطفل اللذان يفسدان فطرته.
وكما أن الماء إذا فسد بمخالطته النجاسات والقاذورات لم يصلح للطهارة، فكذلك الآدمي إذا فسد بالأغيار لم يصلح لمجاورة الرب ودخول الجنة.
والأغذية والفواكه الطيبة إذا خالطت باطن الحيوان خرجت عن حالتها التي خلقت عليها، واكتسبت بهذه المخالطة والمجاورة خبثاً وفساداً لم يكن فيها، لسلوكها في غير طرقها التي بها كمالها.
ولما أنزل الله الماء طاهراً نافعاً فمازج الأرض، وسالت به أوديتها، أوجد الله سبحانه بينهما بسبب هذه المخالطة والممازجة أنواعاً من الثمار والفواكه، والزروع والعنب، والنخيل والزيتون، وسائر الأغذية والأقوات، وأوجد مع ذلك المر والحنظل والشوك وغير ذلك، فاللقاح واحد، ولكن الأم مختلفة.
والله عزَّ وجلَّ يصرف ما أخرجه من هذا الماء بحكمته، ويقلبه ويحيل بعضه إلى بعض، وينقل بعضه بالمخالطة والمجاورة عن طبيعته إلى طبيعة أخرى.
ألا ما أعظم الله، وما أعظم قدرته، وما أعظم آياته ومخلوقاته.
ففي خلق السماء آيات وعبر: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)} [آل عمران: ١٩٠].
وفي خلق الأرض آيات وعبر: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ