وجعل سبحانه في هذا البيت النار للتسخين والإنضاج، والماء للشرب والتبريد، والهواء للتنفس والتنشيف، والجو للشمس والقمر يجريان فيه، والسحب والطير يسبحان فيه.
وجعل سبحانه الإنسان كالملك المتجول في ذلك كله، المتصرف فيه بفعله وأمره، وكل ما فيه سخر له: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٢٠)} [لقمان: ٢٠].
فسبحان من أبدع هذا الخلق .. ونظمه أحسن نظام .. وتفرد بالخلق والأمر .. وتوحد بالجلال والجمال .. واختص بالكبرياء والعظمة.
وكما يستحيل أن يكون المدبر للبدن روحان، فكذلك يستحيل أن يكون المدبر للعالم العلوي والسفلي إلهان: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢)} [الأنبياء: ٢٢].
والله جل جلاله خلق العالم بعضه فوق بعض، ولم يجعل أعلاه مفتقراً إلى أسفله، ولا أسفله مفتقراً إلى أعلاه، بل جعل الجميع مفتقراً إليه وحده لا شريك له.
فالسماء والسحاب والهواء فوق الأرض، وليست مفتقرة إلى حمل الأرض لها، بل الله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض، ويسوق السحاب حيث شاء، ويرسل الرياح كيف شاء.
والعرش والكرسي فوق السماء، وليست مفتقرة إلى حمل السماء لها، والعلي الأعلى، رب كل شيء ومليكه فوق جميع خلقه، ليس محتاجاً إلى عرشه أو كرسيه ليحمله.
بل العرش والكرسي، والسموات والأرض ومن فيهن، والملائكة والروح، والإنس والجن، والخلق كلهم محتاجون إلى الله سبحانه في خلقهم وبقائهم،