وكذلك الكيد والمخادعة منه جزاء على مخادعة رسله وأوليائه وكيدهم، فلا أحسن من تلك المخادعة والمكر كما قال سبحانه: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠)} [الأنفال: ٣٠].
وأما كون الرجل يعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيدخل النار، فهذا عمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس، ولو كان عملاً صالحاً مقبولاً للجنة قد أحبه الله ورضيه، لم يبطله عليه، فقد يكون به آفة كامنة خذل بها في آخر عمره، والله يعلم من سائر العباد ما لا يعلمه بعضهم من بعض.
والله تبارك وتعلى يعلم ما في قلب إبليس من الكفر والكبر والحسد ما لا يعلمه الملائكة، فلما أمرهم بالسجود لآدم، ظهر ما في قلوبهم من الطاعة والمحبة، والخشية والانقياد، وبادروا إلى الامتثال، وأظهر ما في قلب عدوه إبليس من الكبر والغش والكفر والحسد، فأبى وامتنع من السجود لربه كما قال سبحانه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)} [البقرة: ٣٤].
وأما خوف أوليائه من مكره فحق، فإنهم يخافون أن يخذلهم بذنوبهم فيصيرون إلى الشقاء، فخوفهم من ذنوبهم، ورجاؤهم لرحمته.
والذي يخافه العارفون بالله من مكره، أن يؤخر عنهم عذاب المعاصي، فيأنسوا بالذنوب، فيأتيهم العذاب على غرة، أو أن يغفلوا عنه، وينسوا ذكره، فيتخلى عنهم إذا تخلوا عن ذكره وطاعته، فيسرع إليهم البلاء والفتنة، أو أن يعلم من ذنوبهم ما لا يعلمونه، فيأتيهم المكر من حيث لا يشعرون، أو يبتليهم بما لا صبر لهم عليه فيفتنون به، وذلك مكر.
ومن علم الله منه أنه لا يؤمن، ولا يصلح للهداية، فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)} [يونس: ٩٦، ٩٧].