ورياح العذاب: العاصف والقاصف وهما في البحر، والعقيم والصرصر وهما في البر.
وقد ذكر الله عزَّ وجلَّ في القرآن رياح الرحمة ورياح البر بلفظ الجمع، لأنها متعددة المنافع، مختلفة الصفات.
أما رياح العذاب فذكرها بلفظ الإفراد، لأن المطلوب ريح واحدة مدمرة، وكذلك رياح البحر ذكرها بلفظ الإفراد، لأن السفينة لا تسير لمقصدها إلا بريح واحدة، ذات اتجاه واحد.
وفي الشتاء يغلظ الهواء بسبب البرد، فيصير مادة للسحاب، فيرسل العزيز الحكيم الريح المثيرة، فتثيره، ثم تنشره بين السماء والأرض، ثم يسخر الله له الريح الحاملة التي تحمله على ظهرها.
ثم يرسل الله عليه الريح المؤلفة التي تؤلف بين كسفه وقطعه حتى يصير طبقاً واحداً، ثم يرسل الله عليه الريح اللاقحة التي فيها مادة الماء، فتلقحه كما يلقح الذكر الأنثى فيحمل الماء.
ثم يرسل الله عليه الريح المزجية التي تزجيه وتسوقه إلى حيث أُمر أن يفرغ ماءه، فإذا أراد الله نزوله على الأرض أرسل عليه الريح الذارية بعد إعصاره فتذروه وتفرقه في الهواء، لئلا يقع صبة واحدة، فيهلك ما على الأرض، ويقل الانتفاع به.
فهذه ثمان رياح سخرها الله للمطر.
فإذا أسقي ما أمر بسقيه من البلاد والعباد قامت الرياح السائقة فساقته وأزجته إلى قوم آخرين، وأرض أخرى محتاجة إليه لسقي النبات والحيوان والإنسان: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨)} [الروم: ٤٨].