وهذا الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وجعله أفضل العالمين، خلقه الله ليبقى أبد الآباد، وما سواه يفنى إلا من استثناه الله.
وكل فرد من بني آدم سينتقل من حال إلى حال، ومن دار إلى دار كما قال سبحانه: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩)} [الانشقاق: ١٩].
فأول طباقه كونه نطفة .. ثم علقة .. ثم مضغة .. ثم جنيناً .. ثم مولوداً .. ثم رضيعاً .. ثم فطيماً .. ثم طفلاً .. ثم شاباً .. ثم شيخاً .. ثم هرماً .. إلى جميع أحوال الإنسان المختلفة عليه .. إلى أن يموت ثم يبعث .. ثم يوقف بين يدي الله .. ثم يحاسب .. ثم يصير إلى الجنة أو النار حسب عمله .. فهذه ستة عشر طبقاً.
ويركب أثناء هذه الأحوال أطباقاً عديدة:
فينتقل من حال إلى حال كالصحة والمرض .. والعافية والبلاء .. والغنى والفقر .. والسعادة والشقاء .. وهكذا حتى يستقر في دار القرار في الجنة أو النار .. فذلك آخر أطباقه التي يعلمها العباد.
فسبحان من هذا خلقه .. وهذا أمره .. وهذه قدرته.
وقد خلق الله الإنسان في كبد كما قال سبحانه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (٤)} [البلد: ٤].
فابن آدم يكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة، فلا تلقاه إلا في مشقة، فالإنسان مخلوق في شدة بكونه في الرحم، ثم عند ولادته، ثم هو على خطر عظيم عند بلوغه حال التكليف، ومكابدة المعيشة، والأمر والنهي، والبلاء والامتحان.
ثم مكابدة الموت، وما بعده في البرزخ، ثم مكابدة أهوال يوم القيامة، ثم مكابدة العذاب في النار، ولا راحة له إلا في الجنة.
فينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، ويوجب له الفرح والسرور الدائم في الجنة، وذلك بالإيمان والأعمال الصالحة.