وأيضاً هو من ألطف الأعضاء وألينها وأشدها رطوبة، وهو لا يتصرف إلا بواسطة الرطوبة المحيطة به، فلو كان بارزاً صار عرضة للحرارة واليبوسة المانعة له من التصرف وسهولة الحركة.
ثم زين سبحانه الفم وجمله بالأسنان، وجعلها بيضاء مصفوفة، فزادته جمالاً، وجعل بها قوام العبد وغذاءه.
وجعل بعضها آلة للقطع، وبعضها آلة للكسر، وبعضها آلة للطحن.
وأحاط جل وعلا الأسنان بحائطين، وهما الشفتان، فحسن شكلهما ولونهما، وجعلهما غطاءً للفم وطبقاً له، وجعلهما إتماماً لمخارج الحروف ونهاية له، كما جعل أقصى الحلق بداية له، واللسان وسطاً له، ولهذا كان أكثر العمل فيها له إذ هو الواسطة.
وجعل سبحانه الشفتين لحماً صرفاً لا عظم فيه، ليتمكن بهما الإنسان من مص الشراب، ويسهل عليه فتحهما وإغلاقهما.
وخص سبحانه الفك الأسفل بالتحريك، لأن تحريك الأخف أيسر وأحسن، فإن الرأس يشتمل على الأعضاء الشريفة، فلم يخاطر بها في الحركة.
وخلق سبحانه الحناجر مختلفة الأشكال في الضيق والسعة، والليونة والخشونة، والصلابة والرطوبة، والطول والقصر، فاختلفت بذلك الأصوات أعظم اختلاف.
وزين الله تبارك وتعالى الرأس بالشعر وجعله لباساً له، لاحتياجه إليه، وزين الوجه بما أنبت فيه من الشعور المختلفة الأشكال والمقادير.
فزينه بالحاجبين، وجعلهما وقاية مما يتحول من بشرة الرأس إلى العينين، وزين أجفان العينين بالأهداب، وزين الوجه باللحية، وجعلها كمالاً ووقاراً ومهابةً