وأهل الكفر لما لم تفتح أبواب السماء لأعمالهم بل أغلقت عنها، لم تفتح لأرواحهم عند المفارقة، بل أغلقت عنها.
والفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا بالذات، ولكثرة خروجها ودخولها في البدن سميت نفساً، فإن العبد كلما نام خرجت منه، فإذا استيقظ رجعت إليه، فإذا مات خرجت خروجاً كلياً، فإذا دفن عادت إليه، فإذا سئل خرجت، فإذا بعث رجعت إليه، ولها اتصال بالبدن في القبر.
فالنفس واحدة ولها ثلاثة أحوال:
فتكون أمارة بالسوء تارة كما قال سبحانه:{إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}[يوسف: ٥٣].
وتكون لوامة تارة كما قال سبحانه: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢)} [القيامة: ٢].
وتكون مطمئنة تارة كما قال سبحانه: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)} [الفجر: ٢٧، ٢٨].
وأكثر الناس الغالب عليهم الأمارة .. واللوامة أقل منها .. وأما المطمئنة فهي أقل النفوس البشرية عدداً، وأعظمها عند الله قدراً.
والله تبارك وتعالى اقتضت حكمته أنه لا بد أن يمتحن النفوس ويبتليها، ويظهر بالامتحان طيبها من خبيثها، ومن يصلح لموالاته وكراماته ومن لا يصلح، وليمحص النفوس التي تصلح له، ويخلصها بكير الامتحان.
إذ النفس في الأصل جاهلة ظالمة .. وقد حصل لها بالجهل والظلم من الخبث ما يحتاج خروجه إلى السبك والتصفية .. فإن خرج في هذه الدار .. وإلا ففي كير جهنم .. فإذا هذب العبد ونقي أذن له في دخول الجنة.
والنفوس البشرية علوية وسفلية .. ومرسلة ومحبوسة .. ولها بعد المفارقة صحة ومرض .. ولذة ونعيم .. وألم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير.