وأحياناً يقضيها بضد الأسباب كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، وكما نصر موسى - صلى الله عليه وسلم - على فرعون مع أن معه الملك والدولة، وكما ربى موسى - صلى الله عليه وسلم - في قصر عدوه فرعون: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦)} [البقرة: ١٠٦].
والإيمان قسمان:
نظري .. وعملي.
فالنظري يحصل للإنسان بطريق الكلام الصادر عن ثقة كما قال الله لموسى - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤)} [طه: ١٤].
ثم أراد الله أن يبين لموسى حقيقة الإيمان عملياً، وأنه سبحانه هو الفعال القادر على كل شيء، وأنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يعجزه شيء، وأن جميع المخلوقات ليس بيدها شيء، وأن الخلق والأمر لله وحده لا شريك له فقال سبحانه: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨) قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (١٩) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (٢١)} [طه: ١٧ - ٢١].
فجاء أمر الله إلى العصا فانقلبت فوراً إلى حية تسعى، ثم أمره الله بأخذها فعادت بأمر الله فوراً عصا، وأمره سبحانه بإلقائها وهي نافعة فأطاع، وأمره بأخذها وهي ضارة فأطاع، ليعلم موسى أن جميع المخلوقات بيد الله وحده، وأنها لا تضر ولا تنفع إلا بإذن الله.
ثم أمره الله بإدخال يده في جيبه فأدخلها فخرجت بيضاء ساطعة من غير عيب ولا برص كما قال سبحانه: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (٢٢)} [طه: ٢٢].
فرأى موسى - صلى الله عليه وسلم - قدرة الله عملياً في قلب العصا حية وإعادتها مرة أخرى، وفي خروج يده بيضاء من غير سوء، وزاد إيمانه بربه، وقوي يقينه، واطمأن قلبه، وعلم نظرياً وعملياً أن الله على كل شيء قدير.