وقد أنعم الله على العباد وأحسن إليهم بنعم لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم أنواع الإحسان والبر أن يحسن سبحانه إلى من أساء، ويعفو عمن ظلم، ويغفر لمن أذنب، ويتوب على من تاب إليه، ويقبل عذر من اعتذر إليه.
وقد ندب الله المحسن الكريم عباده إلى هذه الشيم الفاضلة، والأفعال الحميدة، وهو أولى بها منهم وأحق.
وإذا عصم الله العباد من الذنوب فعلى من يتوب ويغفر، ويعفو ويصفح، ولو شاء الله ألا يعصى في الأرض طرفة عين لم يعصَ، ولكن حكمته تأبى ذلك.
والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، يحسن إلى من أحسن إليه وإلى من أساء إليه، فالإحسان يطفئ نار العداوة والحسد والبغي.
وكلما زاد عدوك أذىً وشراً وحسداً وبغياً ازددت إليه إحساناً، وله نصيحة، وعليه شفقة.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ضربه المشركون حتى أدموه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ» متفق عليه (١).
فقابل إساءتهم العظيمة إليه بأربع مقامات من الإحسان:
عفوه عنهم عن حقه .. استغفاره لهم .. اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون .. استعطافه لهم بقوله قومي.
وكل إنسان له ذنوب بينه وبين ربه يخاف عواقبها، ويرجوه أن يعفو عنها، ويغفرها له.
ومع هذا لا يقتصر سبحانه على مجرد المسامحة والعفو حتى ينعم عليك ويكرمك، ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله.
وإذا كان الإنسان يرجو هذا من ربه فما أجدره أن يعامل به خلقه ويقابل به إساءتهم، ليعامله الله هذه المعاملة.
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٤٧٧)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٧٩٢).