للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلام في المحضن الأول بمكافأة والديه على إحسانهم له، ورحمة صغاره وزوجه الذين هم أقرب الناس إليه.

وعلم الله كذلك أن الإنسان يمد حبه وحميته بعد ذلك إلى أهله كافة، فسار به الرحمن الرحيم خطوة أخرى في الإنفاق وراء أهله الأقربين.

تساير عواطفه الفطرية .. وتقضي حاجة هؤلاء .. وتقوي أواصر الأسرة البعيدة: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)} [الأنفال: ٧٥].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» أخرجه الترمذي والنسائي (١).

وعندما يفيض ما عند المسلم عن حاجة هؤلاء وهؤلاء بعد ذاته فإن الإسلام يأخذ بيده لينفق على طوائف من البشرية، يثيرون بضعفهم، وحرج موقفهم عاطفة النخوة والرحمة فيه، وفي أولهم الفقراء من اليتامى والمساكين، ثم أبناء السبيل، والمؤلفة قلوبهم، والغارمون. وهكذا، وهو في كل ذلك مأجور كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)} [البقرة: ٢٧٤].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا». يَقُولُ: «فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ» أخرجه مسلم (٢).

ثم يربط الله هذا الإحسان وهذا الإنفاق بالأفق الأعلى فيستجيش في القلب صلته بالله فيما يعطي وفيما يفعل وفيما يضمر: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٢٧٢)} [البقرة: ٢٧٢].


(١) صحيح: أخرجه الترمذي برقم (٦٥٨)، صحيح سنن الترمذي رقم (٥٣١).
وأخرجه النسائي برقم (٢٥٨٢)، وهذا لفظه، صحيح سنن النسائي رقم (٢٤٢٠).
(٢) أخرجه مسلم برقم (٩٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>