فتسكب الإيمان والإجلال للرب في القلب، وهو يتجول في هذا المعرض الإلهي الكبير، ويتملى ما فيه من آيات الإحسان والإتقان، في كل ما يراه، وما يسمعه، وما يدركه.
ويتصل من وراء هذه الأشكال الحسنة الفانية بالمحسن الباقي: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: ٦، ٧].
ولا يدرك الإنسان شيئاً من هذا النعيم في رحلته على الأرض إلا حين يستيقظ من همود العادة، ويبصر بنور الله، فتنكشف له الأشياء عن جواهرها الثمينة الجميلة.
فيتذكر الله الخالق البارئ المصور كلما وقعت عينه أو حسه على شيء من بدائعه، فيحس الصلة بين الخالق وما خلق، والمبدع وما أبدع، فيزيد شعوره بجمال ما يرى وما يحس، لأنه يرى من ورائه جمال الله وجلاله.
والإحسان لب الإيمان وروحه وكماله بكمال الحضور مع الله عزَّ وجلَّ، ومراقبته الجامعة لخشيته ومحبته ومعرفته والإنابة إليه، والإخلاص له.
ويتم الإحسان ويكمل بثلاثة أمور:
الأول: الإحسان في القصد بأن يجعله تابعاً للعلم، والعلم هو اتباع أمر الله وشرعه، خالصاً لله صافياً من الأكدار.
الثاني: الإحسان في الأحوال بأن يحفظها ويصونها بدوام الوفاء، وتجنب الجفاء، والانقياد للهدى.
الثالث: الإحسان في الوقت بأن تعلق همتك بالحق وحده، ولا تعلق همتك بأحد غيره، وأن تجعل هجرتك إلى الله سرمداً.
ولله على كل عبد هجرتان:
هجرة إلى الله سبحانه بالتوحيد والإيمان، والإخلاص والإنابة، والمحبة والذل، والخوف والرجاء، والعبودية.
وهجرة إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالتحكيم له، والتسليم والتفويض والانقياد لحكمه،