وإذا كنا في العلم البشري لا نأخذ إلا عن مصادر موثوقة يعول عليها، ففي علم الغيب لا ينبغي أن نأخذ إلا ممن يملكون حق الحديث عن الله، وهم الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله، وأطلعهم على شيء من الغيب، وجعل مصدر علمهم الوحي، وهم أعلم الخلق بالله.
أما غيرهم فمصدر علمهم العقل، والعقل البشري وحده قاصر عن إدراك المعرفة المتصلة برب العالمين.
وتكليف العقل بالبحث في عالم الغيب يشبه سؤال الكبد عن المشاهد التي تختص برؤيتها العين.
ومن الظلم لعضو خلقه الله لعمل محدد أن نكلفه فوق طاقته، ونحاول استخدامه في غير محله، فنظلم أنفسنا، ونظلم غيرنا.
ومن الحكمة والأدب وضع الشيء في موضعه، واستخدام الشيء فيما خلق له، وعدم تجاوز المعلوم إلى المجهول المحجوب إلا بعلم ويقين.
والإيمان بالله هو إيمان بالغيب .. فذات الله سبحانه غيب بالنسبة للبشر في هذه الحياة .. فإذا آمنوا به سبحانه فإنما يؤمنون بغيب، يجدون آثار فعله .. ولا يدركون ذاته .. ولا كيفية صفاته وأفعاله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)} [الأنعام: ١٠٢، ١٠٣].
والإيمان بالآخرة كذلك هو إيمان بالغيب، فكل ما في الآخرة موجود كالصراط والميزان، والجنة والنار، لكن لا يمكن للأبصار أن تراه في الدنيا.