ويذكرهم بفاقتهم وحاجتهم إلى ربهم، وأنهم مضطرون إليه لا يستغنون عنه لحظة أبداً.
ويذكرهم بنعم الله عليهم ليشكروه، ويدعوهم بها إلى نعم أخرى أكبر منها.
ويذكرهم برحمته وعفوه ليقبلوا عليه، ويتوبوا إليه.
ويذكرهم بأسه وشدة بطشه وانتقامه، ممن عصى أمره، وكذب رسله، ليخافوه ويهابوه ويطيعوه.
ويذكرهم بثوابه وعقابه، وما أعد لأوليائه، وما أعد لأعدائه ليقبلوا على ما ينفعهم، ويحذروا مما يضرهم، وينافسوا في الخيرات.
ويذكرهم بما يحل لهم وما يحرم عليهم، وما يحبه الرب وما يبغضه.
ويذكرهم بصفات أوليائه ليفعلوها ويتحلوا بها.
ويذكرهم بصفات أعدائه ليجتنبوها ويحذروا منها.
ويذكرهم بعاقبة هؤلاء وهؤلاء.
ولهذا يأمر الله عباده أن يذكروا ما في كتابه من المواعظ والشرائع والأحكام وأن يأخذوها بقوة كما قال سبحانه: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١)} [الأعراف: ١٧١].
وكون القرآن ذكراً للعالمين كلهم غير جهة كونه ذكراً للمتقين، فإنه ذكر للعموم بالصلاحية والقوة، وذكر لأهل الاستقامة بالحصول والنفع.
والكون كتاب الله المنظور .. والقرآن كتاب الله المقروء.
وكلاهما دليل على الخلاق العليم، كما أن كليهما كائن ليعمل.
فالكون كله بما فيه من مخلوقات ما زال يتحرك، ويؤدي دوره الذي قدره له بارئه بطاعة تامة لربه: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)} [النحل: ٤٩ - ٥٠].
والقرآن كذلك أدى دوره للبشرية التي آمنت به وحكمته، واستجابت لأوامره.