وهي أن يشهد عزة الحاكم في حكمه .. وعدله في قضائه .. وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه .. وما أخطأه لم يكن ليصيبه .. وأن الكتاب الأول سبق بذلك قبل بدء الخليقة .. فقد جف القلم بما سيلقاه كل عبد .. فمن رضي فله الرضى .. ومن سخط فله السخط.
ويشهد أن القدر ما أصابه .. إلا لحكمة اقتضاها اسم الحكيم جل جلاله .. وأن القدر قد أصاب مواقعه .. وحل في المحل الذي ينبغي له أن ينزل به .. وأن ذلك موجب أسمائه وصفاته، وحكمه وعدله .. فله عليه أكمل حمد وأتمه كما له الحمد على جميع أفعاله وأوامره.
الثاني: الحكم الكوني القدري الذي للعبد فيه كسب واختيار وإرادة كقدر المرض والجوع والعطش.
فهذا حقه أن يدافع وينازع بكل ممكن، ولا يسالم البتة، بل ينازع بالحك الكوني أيضاً، فينازع حكم الحق بالحق للحق، فيكون منازعاً للقدر، لا واقفاً مع القدر، ويفر من قدر الله إلى قدر الله كما أمر الله، ويدفع قدر الله بقدر الله.
فإذا جاء قدر الله من الجوع أو العطش، أو البرد أو الحر، أو الألم أو المرض، دفعه بقدر آخر من الأكل والشرب واللباس والدواء.
وهكذا لو وقع حريق في داره، فهو بقدر الله فلا يستسلم له، بل ينازعه ويدافعه ويطفئه بالماء أو غيره، حتى يطفئ قدر الله بقدر الله، وما خرج في ذلك عن قدر الله.
وهكذا لو أصابه مرض بقدر الله دافع هذا القدر ونازعه بقدر آخر، يستعمل فيه الأدوية الدافعة للمرض كما أمر الله.
فحق هذا الحكم الكوني القدري أن يحرص العبد على مدافعته ومنازعته بكل ما يمكنه من الأسباب التي نصبها الله وأمر بها.
فيكون قد دفع القدر بالقدر، ونازع الحكم بالحكم، وبهذا أمر، بل هذا حقيقة