ومنها: أن خلق الأسباب المتقابلة، التي يقهر بعضها بعضاً، ويكسر بعضها بعضاً، هو من شأن كمال الربوبية، والقدرة النافذة، والملك الكامل، وإن كان شأن الربوبية كاملاً في نفسه ولو لم تخلق هذه الأسباب.
لكن ظهور آثارها وأاحكامها في عالم الشهادة تحقيق لذلك الكمال الإلهي.
فالعبودية والآيات والعجائب والفوائد التي ترتبت على خلق ما لا يحبه الله ولا يرضاه وتقديره ومشيئته أحب إليه سبحانه من فواتها وتعطيلها بتعطيل أسبابها فإن قيل: فإن كانت هذه الأسباب مرادة للرب، فهل تكون مرضية محبوبة له؟.
قيل: هو سبحانه يحبها من جهة إفضائها إلى محبوبه، وإن كان يبغضها لذاتها.
فإن قيل: هل يمكن حصول تلك الحكم بدون هذه الأسباب؟.
قيل: هذا سؤال باطل، إذ هو فرض وجود الملزوم بدون لازمه، كفرض وجود الابن بدون الأب، والحركة بدون المتحرك، والتوبة بدون التائب.
وسر المسألة:
أن الرضا بالله يستلزم الرضا بأسمائه وصفاته .. وأفعاله وأحكامه .. ولا يستلزم الرضا بمفعولاته كلها.
بل حقيقة العبودية أن يوافق العبد ربه في رضاه وسخطه، فيرضى منها بما يرضى به، ويسخط منها ما سخطه.
فإن قيل: كيف يجتمع الرضا بالقضاء الذي يكرهه العبد من المرض والفقر والألم مع كراهته له؟.
قيل: لا تنافي في ذلك، فإنه يرضى به من جهة إفضائه إلى ما يحب، ويكرهه من جهة ت ألمه به، كالدواء الكريه الذي يعلم أن فيه شفاءه، فإنه يجتمع فيه رضاه به، وكراهته له.
فإن قيل: كيف يحب الله لعبده شيئاً ولا يعينه عليه؟.
قيل: لأن إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول تلك الطاعة التي رضيها له.