فالفعال لما يشاء هو الله وحده، أما نحن جميعاً فكلنا فعالون لما يشاء الله سبحانه.
فما دام العمل يدخل في المشيئة فهو سيتم قطعاً، لأن الله وحده هو الفعال، لا راد لقضائه.
وما دام العمل لا يدخل في المشيئة فلن يتم قطعاً، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (٢٤)} [الكهف: ٢٣، ٢٤].
فالله هو الفعّال لما يشاء، وأما الإنسان فليس له من الأمر شيء، والله يريد أن يذكرنا بنعمه، وأن نعلم أن الفضل منه، وأن الذي أعطى يستطيع أن يأخذ، وأن الذي منح يستطيع أن يمنع.
إن الإنسان حين يغتر بقدرته يبطش ويظلم، ويفتك بالضعفاء، ويطغى ويفسد في الأرض.
أما إذا تذكر أن هذا كله من قدرة الله، وأن الله إن شاء منح، وإن شاء أخذ، وإن شاء أعطى، وإن شاء أوقف هذا العطاء، فإن خشيته تدخل في قلبه، فتجعله يراجع نفسه فلا يبغي ولا يظلم، ويخشى الله في كل عمل يعمله، وفي هذا صلاح الكون كله.
وقد فرق الله بين مشيئته ومحبته، فقد يشاء الله ما لا يحبه كمشيئته لخلق إبليس وجنوده، وكل شر ومصيبة ومعصية.
وقد يحب ما لا يشاء كونه، كمحبته إيمان الكفار، وطاعات الفجار، وعدل الظالمين، وتوبة الفاسقين، ولو شاء لوجد ذلك كله.
والله سبحانه لم يأمر عباده بالرضا بكل ما خلقه وشاءه، فإن المراد نوعان:
مراد لنفسه .. ومراد لغيره.
فالمراد لنفسه مطلوب محبوب لذاته، ولما فيه من الخير كالطاعات.
والمراد لغيره قد لا يكون في نفسه مقصوداً للمريد، ولا فيه مصلحة له.