للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن رحمة الله بالبشرية وبره بهم أن تفضل عليهم بإرسال الرسل تترى، وهم يكذبون ويعاندون، ويشردون وينأون، ولكن الله حليم غفور، لا يؤاخذ الإنسان بأخطائه وخطاياه، ولا يحبس عنه بره وعطاياه، ولا يحرمه هداه، ثم لا يأخذه بالعقاب في الدنيا أو في الآخرة حتى تبلغه الرسل، فيعرض ويكفر، ويموت وهو كافر ويدرج للعقاب كما قال سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥].

فلا يمكن لعقل واحد أن يهتدي لمثل ما جاءت به الرسل، بل لا يمكن ذلك لعقول البشرية كلها، وكيف يهتدي العقل، ويستغني عن ربه، ويستغني عن هدايته ورسله ودينه وهو مخلوق محتاج إلى الهدى؟.

وقد علم الله أن العقل لا يُغني ما لم يتقوم بمنهج الله، ولذا لم يكتب عليه عقاباً إلا بعد الرسالة والبيان ثم الإعراض.

إن رحمة الله واسعة، وسعت كل شيء، وهي تتمثل في مظاهر كثيرة لا يحصيها العبد، ويعجز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها، سواء في ذات نفسه وتكوينه وتكريمه بما أكرمه الله به .. أو بما سخر الله له من حوله ومن فوقه ومن تحته .. أو فيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)} [النحل: ١٨].

ورحمة الله تبارك وتعالى تتمثل في الممنوع تمثلها في الممنوح، ويجدها من يفتح الله له في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حال، وفي كل مكان.

يجدها في نفسه، وفيما حوله، وحيثما كان، ولو فقد كل شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان.

ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حال، ولو وجد كل شيء مما يعده الناس علامة السعادة والرضوان.

وما من نعمة يمسك الله معها رحمته حتى تنقلب هي بذاتها نقمة، وما من محنة تحفها رحمة الله حتى تكون هي بذاتها نعمة: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>