كان نائياً عنه، وانطراحه ببابه بعد أن كان عاكفاً على أبواب غيره، كما قال سبحانه عن أعدائه: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١)} [السجدة: ٢١] ..
فالبلية في حق هذا عين النعمة، وإن ساءته وكرهها طبعه، ونفرت منها نفسه، إلا أن فيها شفاءه وفلاحه: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)} [البقرة: ٢١٦].
فأفعال الخير التي تكرهها النفوس لما فيها من المشقة والتعب هي خير بلا شك.
وأفعال الشر التي تحبها النفوس لما تتوهمه فيه من الراحة واللذة فهي شر بلا شك.
فالجهاد مثلاً مكروه للنفس، لما فيه من التعب والتعرض للتلف، ومع هذا فهو خير محض، لما فيه من الثواب العظيم، والنجاة من العقاب الأليم، والنصر على الأعداء، والظفر بالغنائم، وغير ذلك من المصالح التي تفوق ما فيه من الكراهة.
والقعود عن الجهاد لطلب الراحة شر، لأنه يعقب الخذلان وتسلط الأعداء على الإسلام وأهله، وحصول الذل والهوان، وفوات الأجر العظيم، وحصول العقاب الأليم.
وإن لم يرد ذلك البلاء العبد إلى ربه، بل شرد قلبه عنه، ورده إلى الخلق وأنساه ذكر ربه، والضراعة إليه، والتوبة والرجوع إليه فهو علامة شقاوته، وإرادة الشر به: