للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَانْصَرف ابْن القصيرة إِلَى الْمُعْتَمد فَلم يصله إِلَّا وَقد غَشيته جنود الطاغية فصدم ابْن عباد صدمة قطعت آماله وَمَال الأذفونش عَلَيْهِ بجموعه وَأَحَاطُوا بِهِ من كل جِهَة فهاجت الْحَرْب وحمي الْوَطِيس واستحر الْقَتْل فِي أَصْحَاب ابْن عباد وصبر صبرا لم يعْهَد مثله واستبطأ السُّلْطَان يُوسُف وَهُوَ يُلَاحظ طَرِيقه وعضته الْحَرْب وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه الْبلَاء وَسَاءَتْ الظنون وانكشف الْبَعْض مِنْهُم وَفِيهِمْ ابْنه عبد الله بن الْمُعْتَمد وأثخن هُوَ جراحات فِي رَأسه وبدنه وعقرت تَحْتَهُ فِي ذَلِك الْيَوْم ثَلَاث أَفْرَاس كلما هلك وَاحِد قدم لَهُ آخر وتذكر فِي تِلْكَ الْحَالة ابْنا لَهُ صَغِيرا يكنى أَبَا هَاشم وَكَانَ قد تَركه بإشبيلية عليلا فَقَالَ

(أَبَا هَاشم هشمتني الشفار ... فَللَّه صبري لذَلِك الأوار)

(ذكرت شخيصك تَحت العجاج ... فَلم يثنني ذكره للفرار)

ثمَّ كَانَ أول من وافى ابْن عباد من قواد يُوسُف بن تاشفين دَاوُد بن عَائِشَة وَكَانَ بطلا شهما فَنَفْس بمجيئه على ابْن عباد ثمَّ أقبل يُوسُف بعد ذَلِك وطبوله قد مَلَأت أصواتها الجو فَلَمَّا أبصره الأذفونش وَجه حَملته إِلَيْهِ وقصده بمعظم جُنُوده فبادر إِلَيْهِم السُّلْطَان يُوسُف وصدمهم صدمة ردتهم إِلَى مركزهم وانتظم بِهِ شَمل ابْن عباد واستنشق النَّاس ريح الظفر وتباشروا بالنصر ثمَّ صدقُوا جَمِيعًا الحملة فزلزلت الأَرْض من حوافر الْخَيل وأظلم النَّهَار بالعجاج وخاضت الْخَيل فِي الدِّمَاء وصبر الْفَرِيقَانِ صبرا عَظِيما

ثمَّ تراجع ابْن عباد إِلَى يُوسُف وَحمل مَعَه حَملَة مَعهَا النَّصْر وتراجع المنهزمون من أَصْحَاب ابْن عباد حِين علمُوا بالتحام الفئتين وَصَدقُوا الحملة فانكشف الطاغية وَمر هَارِبا مُنْهَزِمًا وَقد طعن فِي إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ طعنة بَقِي يخمع بهَا بَقِيَّة عمره قَالُوا وَكَانَ أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين على فرس يَوْمئِذٍ أُنْثَى يمر بَين ساقات الْمُسلمين وصفوفهم يحرضهم وَيُقَوِّي نُفُوسهم على الْجِهَاد ويحضهم على الصَّبْر فقاتل النَّاس ذَلِك الْيَوْم قتال من يطْلب الشَّهَادَة ويرغب فِي الْمَوْت

<<  <  ج: ص:  >  >>